خطة البنتاغون “الخيارالسلفادوري”: نشر فرق الإعدام في سوريا

خطة البنتاغون “الخيارالسلفادوري”: نشر فرق الإعدام في سوريا
الحرب على طهران تمر عبر دمشق.

خطة أمريكا والناتو لإعلان الحرب على إيران تقتضي حكما وكخطوة أولى حملة زعزعة استقرار “تغيير النظام” تستهدف سورية.
وضع البنتاغون منذ منتصف التسعينات خطة عسكرية موسعة للحرب على الشرق الأوسط وشرق آسيا الوسطى.
كجزء من هذا السيناريو، يخطط تحالف أمريكا والناتو لشن حملة عسكرية على سورية بغطاء من قرار إنساني من الأمم المتحدة.
يعتبر التصعيد جزءا مهما في هذا المخطط العسكري، وزعزعة استقرار البلدان المستقلة عبر تغيير أنظمة الحكم فيها عملية تتم بالتوازي مع تخطيط عسكري دقيق.
خارطة طريق الحرب هذه موجودة بالفعل وتتميز بسلسلة من مسارح الحرب التي تقوم أمريكا والناتو بوضعها نصب العينين.
تاريخ خطة البنتاغون “الخيار السلفادوري” في العراق وعلاقته بسورية:
تم تطبيق هذه الخطة أثناء فترة عمل جون نيغربونتي لمنصب سفير الولايات المتحدة في العراق (حزيران 2004 – نيسان 2005). حينئذ كان السفير الأمريكي الحالي في سورية روبرت فورد عضوا في فريق نيغروبونتي في بغداد 2004-2005.
سورية: لمحة عامة والتطورات الأخيرة:
لعبت وسائل العلام الغربية دورا رئيسيا في التعمية على طبيعة التدخل الأجنبي في أحداث سورية بما في ذلك دعم الجماعات المتمردة المسلحة. فقامت وفق سيمفونية مشتركة بوصف الأحداث هناك على أنها “حركة احتجاجية سلمية” موجهة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، في حين أن الأدلة الدامغة تؤكد قيام مجموعات إسلامية مسلحة بالتغلغل ضمن تلك الاحتجاجات.
يذكر موقع ديبكا الاسرائيلي أن مجموعات مسلحة منظمة تقوم بمواجهة القوات السورية، وبذات الوقت يحاول عامدا عدم ذكر كلمة “جماعات متمردة مسلحة”:
“تواجه الآن القوات السورية مقاومة شرسة: ففي انتظارها ألغام مضادة للدبابات وحواجز مدعمة يدافع عنها محتجون مسلحين بأسلحة رشاشة ثقيلة.”
منذ متى يتسلح المدنيين السلميين بأسلحة رشاشة ثقيلة وألغام مضادة للدبابات؟
التطورات في سورية تشير بشكل مكشوف إلى وجود تمرد مسلح منظم مندمج مع “مجموعات تكفيرية ” يتلقون الدعم والسلاح سرا من قوى أجنبية، وذلك حسب مصدر استخباري اسرائيلي:
يقوم المسؤولين في مقر عمليات الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية برسم خرائط الخطوة العسكرية الأولى في سورية، وهي تسليح المتمردين بأسلحة لمواجهة الدبابات والمروحيات السورية التي تعتبر رأس الحربة في القضاء على المنشقين. بدلا من تكرار النموذج الليبي من الضربات الجوية، يفكر المخططون الاستراتيجيون في الناتو في إرسال كميات ضخمة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، مدافع الهاون، والأسلحة الرشاشة الثقيلة إلى مراكز الاحتجاجات بهدف صد القوات السورية الحكومية.
يتم تسليم الأسلحة إلى المجموعات المتمردة برا، بشكل رئيسي من تركيا وتحت حماية الجيش التركي… مع بديل آخر هو نقل الأسلحة عبر الشاحنات إلى داخل سورية بحماية عسكرية تركية ونقلها إلى قادة المتمردين في نقاط التقاء يتم تحديدها مسبقا.
وفقا لمصادر إسرائيلية لم يتم التحقق من صحتها، يتم في الناتو والقيادة العليا التركية بدراسة الخيار “الجهادي” عبر تجنيد آلاف المقاتلين الاسلاميين على طريقة تجنيد المجاهدين في أفغانستان لشن حرب جهادية لحساب المخابرات المركزية الأمريكية ضد الوجود السوفييتي هناك:
وحسب مصدرنا، تم في أنقرة وبروكسل أيضا مناقشة إطلاق حملة تجنيد آلاف المسلمين المتطوعين من بلدان الشرق الأوسط والعالم الاسلامي للمحاربة إلى جانب المتمردين السوريين، حيث سيقوم الجيش التركي بإنشاء معسكرات لهم وتدريبهم وتأمين دخولهم إلى الأراضي السورية.
هذه التطورات تشير إلى احتمال تورط الجنود الأتراك داخل سورية، مما قد يؤدي إلى وقوع مواجهة عسكرية محتملة بين سورية وتركيا إضافة إلى تدخل عسكري “إنساني” واسع النطاق في سورية من قبل الناتو.
في التطورات الأخيرة، تمكنت فرق الموت الاسلامية من اختراق حي الرمل في اللاذقية، الذي يضم مخيم يأوي حوالي 10 آلاف لاجىء فلسطيني، وقامت تلك الفرق بمجموعاتها المسلحة وقناصيها بترويع سكان المنطقة.
بوقاحة تامة، قامت وسائل الاعلام الغربية بتقديم المجموعات الاسلامية المسلحة هناك على أنها “معارضين فلسطينيين” و “نشطاء” يدافعون عن أنفسهم من هجوم القوات السورية. تحركات تلك المجموعات كانت تهدف فيما تهدف عبر استهداف المجتمع الفلسطيني هناك إلى التحريض على نوع من الخلاف السياسي بين سورية وفلسطين. العديد من الشخصيات الفلسطينية انحازت إلى “الحركة الاحتجاجية” متجاهلة تماما حقيقة أن فرق الموت “الداعمة للديمقراطية” تتلقى دعما سريا من اسرائيل وتركيا.
وفيما صرح وزير الخارجية التركي أن تركيا قد تفكر باللجوء إلى خيار عسكري ضد حكومة الأسد ما لم توقف الأخيرة حملتها ضد “المحتجين بلا قيد أو شرط”، يبدو أنه تناسى الحقيقة المرة عن قيام حكومة أردوغان بتمويل وتدريب المقاتلين الاسلاميين الذين يروعون السكان في سورية.
في أثناء ذلك، انتهى المخططين الأمريكيين، الاسرائيليين، ومخططي الناتو من وضع الخطوط العريضة للحملة العسكرية “الإنسانية”، وتلعب فيها تركيا، وهي ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو، دورا مركزيا.
بتاريخ 15 آب 2011 أعلنت طهران أن الوضع في سورية شأن داخلي واتهمت الغرب وحلفاؤه بمحاولة زعزعة الاستقرار في سورية بهدف غزوها عسكريا.
الأمور وصلت إلى مفترق طرق خطير:
في حال تم شن حملة عسكرية ضد سورية، فإن المنطقة بأكملها، الشرق الأوسط ومنطقة شرق أسيا الوسطى اللتان تمتدان من شمال أفريقيا وشرق المتوسط إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية مع الصين، ستغرق في حرب واسعة. الحرب على سورية قد تتطور لتصبح حملة عسكرية تشنها أمريكا والناتو على إيران، وستشارك فيها تركيا واسرائيل بشكل مباشر.
من الضروري أن نقوم بفضح اللعبة وكشف حقيقة وسائل الاعلام التي تمارس التضليل وإيقافها.
كما أن فهم ما يجري في سورية بشكل دقيق وغير منحاز له أهمية حاسمة في عكس مجريات التصعيد العسكري ومنع نشوب حرب إقليمية واسعة.
من هو السفير روبرت ستيفن فورد؟

و السفير روبرت ستيفن فورد وصل السفير فورد إلى دمشق في أواخر كانون الثاني 2011 أثناء ذروة الحركة الاحتجاجية في مصر، وكنت قد سلطت الضوء على مغزى إعادة تعيينه كسفير في سورية في ذلك الوقت والدور الذي يمكن أن يلعبه في الخطة السرية لزعزعة الاستقرار السياسي فيها، لكني لم أتوقع تحقيق ذلك خلال شهرين فقط من إعادة تعيينه.
إن إعادة تعيين السفير فورد في دمشق له علاقة مباشرة باندلاع شرارة الأحداث في سورية في شهر آذار. فورد كان الرجل الثاني في السفارة الأمريكية في بغداد، ولعب دورا محوريا في تطبيق خطة “الخيار السلفادوري” الأمريكية في العراق. “الخيار السلفادوري” هو خطة دعم لفرق الموت العراقية والجماعات المسلحة وتشكيلها وفق تجربة العصابات المسلحة في أمريكا الوسطى.
قامت وسائل الاعلام الغربية بتضليل الرأي العام حول طبيعة حركة الاحتجاجات العربية عبر تعمدها عدم نشر الحقائق المتعلقة بدعم وزارة الخارجية الأمريكية والمنظمات الأمريكية الأخرى لمجموعات معارضة موالية لأمريكا. إن أمريكا قامت منذ عام 2006 بتمويل معارضين لنظام الرئيس الأسد، وتم تصوير الحركة في سورية على أنها حركة مطالبة بالديمقراطية وامتداد للربيع العربي.
هناك مؤشرات على أن الأحداث في سورية كانت قد تم التخطيط لها بعناية بشكل مسبق بالتزامن مع عملية تغيير الأنظمة في بلدان عربية أخرى وبما في ذلك في مصر وتونس. انطلقت الحركة الاحتجاجية من مدينة درعا الحدودية في الجنوب في توقيت منتقى بعناية يلي أحداث تونس ومصر.
لم يعي أحد أن السفارة الأمريكية في بلدان عدة لعبت دورا مركزيا في دعم مجموعات المعارضة، ففي مصر مثلا، كانت حركة شباب 6 أبريل تتلقى دعما مباشرا من السفارة الأمريكية في القاهرة.
عودة إلى فورد، فهو منذ عودته إلى دمشق لعب دورا رئيسيا في التحضير والتواصل مع مجموعات المعارضة، وهذا الرجل ليس ديبلوماسيا عاديا، فقد كان في كانون الثاني 2004 المندوب الأمريكي في مدينة النجف العراقية، والنجف هي معقل جيش المهدي. بعد بضعة شهور تم تعيينه الرجل الثاني (مستشار الوزير للشؤون السياسية) في السفارة الأمريكية في بغداد وبقي هناك إلى أن تم تعيينه كسفير في الجزائر عام 2006.
كانت مهمة السفير الأمريكي جون نيغروبونتي بالتعاون مع روبرت فورد هي التنسيق الميداني لعملية الدعم السرية لفرق الموت والمجموعات المسلحة العراقية والعمل على صب الزيت على نار العنف الطائفي وإضعاف حركات المقاومة، وكان لروبرت فورد دورا رئيسيا في هذه المهمة.
لفهم مهمة فورد في بغداد ودمشق، من المهم أن نتطرق بشكل موجز إلى تاريخ العمليات السرية الأمريكية والدور الرئيسي الذي لعبه جون نيغروبونتي.
نيغروبونتي و”الخيار السلفادوري”
خدم نيغروبونتي كسفير لأمريكا في الهندوراس من 1981 حتى 1985، ولعب دورا رئيسيا في توفير الدعم والإشراف على عصابات الكونترا في نيكاراغوا التي كانت تتخذ من هندوراس مقرا لها. هجمات عصابات الكونترا عبر الحدود النيكاراغوية أدت إلى مقتل حوالي 50 ألف مدني.جون نيغروبونتي، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية لدى وصوله إلى مطار طرابلس الدولي يوم 17 أبريل 2007
في ذات الوقت، كان نيغروبونتي يلعب دورا هاما في إنشاء فرق الموت التابعة للجيش الهندوراسي ” تعمل بدعم من واشنطن وقد قامت باغتيال مئات المعارضين للنظام الموالي لأمريكا”.
“وأثناء حكم الجنرال غوستافو ألفاريز مارتينيز، كانت الحكومة العسكرية في الهندوراس حليفا قويا لإدارة الرئيس ريغان وكانت أيضا تقوم بالتخلص من عشرات الخصوم السياسيين باتباع طريقة فرق الموت التقليدية.”
في رسالة وجهها إلى صحيفة الإيكونوميست عام 1982، نفى نيغروبونتي بشكل قاطع ظهور فرق الموت في هندوراس وهذا كان أيضا فحوى تقرير ممارسات حقوق الإنسان الذي أرسلته السفارة إلى لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشيوخ مؤكدا فيه “عدم وجود سجناء سياسيين في هندوراس وأن الحكومة الهندوراسية لا تسمح عمدا أو تتغاضى عن عمليات قتل ذات طبيعة سياسية أو غير سياسية”.
لكن بحسب سلسلة من التقارير التي نشرتها بالتيمور صن عام 1995، فإن حكومة هندوراس استخدمت وحدة خاصة سرية هندوراسية تم تدريبها على يد المخابرات المركزية الأمريكية قامت باستخدام أساليب تعذيب رهيبة تشمل الصعق بالكهرباء والخنق والتعرية، وبعد انتهاء التحقيق كانت تقوم بقتل السجناء ودفن الجثث في مكان مجهول.
عام 1997، نشر المفتش العام للاستخبارات المركزية الأمريكية تقريرا سريا تم السماح بنشره من 211 صفحة تحت اسم “قضايا مختارة تتعلق بنشاط المخابرات المركزية في الهندوراس في الثمانينات”.
نيغروبونتي – روبرت فورد. “الخيار السلفادوري”
في كانون الثاني عام 2005، بعيد تعيين نيغروبونتي سفيرا في العراق، أكد البنتاغون في قصة مسربة إلى النيوزويك أنه يدرس إمكانية تشكيل فرق اغتيال من المقاتلين الأكراد والشيعة لاستهداف قادة المجموعات المسلحة العراقية في تحول استراتيجي مبني على صراع أمريكا ضد مقاتلي الجناح اليساري في أمريكا الوسطى قبل 20 عام.
وعمل بيغروبونتي وفورد بشكل مباشر على مشروع البنتاغون، كما قام عضوان أخران من السفارة هما هنري إنشر (نائب فورد) وجيفري بيلز بلعب دور هام في الفريق كونهما مسؤولان عن التفاوض مع عدد من العراقيين بما فيهم المتطرفين بهذا الشأن. سواء خرج الأمر عن السيطرة أم كان مقصودا، فإن فرق الموت هذه أصبحت السبب الرئيسي للموت في العراق، وأصبحت مشاهد الجثث في شوراع العراق وعمليات التعذيب والتشويه مشاهد يومية في العراق… هذه الأفعال قامت بها فرق الموت التي أنشأها نيغروبونتي، والعنف الطائفي الذي دعمته أمريكا هو أحد الأسباب الكبرى للجحيم الذي يعيشه العراق في يومنا هذا.
قام نيغروبونتي بوصف فورد أثناء عملهما معا في السفارة ” واحد من الأشخاص الذين لا يتعبون… لا مانع لديه من ارتداء سترة المطر ومغادرة المنطقة الخضراء للتواصل مع العملاء”. فورد يتحدث العربية والتركية بطلاقة.
من بغداد إلى دمشق: “الخيار السلفادوري” السوري:
بالرغم من الفارق الكبير بين الأوضاع في سورية، إلا أن أرضية روبرت فورد أثناء عمله في بغداد لها علاقة مباشرة بطبيعة نشاطه في سورية بما في ذلك اتصالاته مع مجموعات المعارضة.
في أوائل تموز قام فورد برحلة إلى حماة والتقى عددا من أعضاء المعارضة، والتقارير تؤكد إجراء فورد العديد من الاتصالات مع المعارضة قبل وبعد زيارته لحماه، وفي تصريح أدلى به في 4 آب أكد فورد أن السفارة ستستمر بالتقرب من المجموعات المعارضة متحديا بذلك السلطات السورية.
تم تعيين الجنرال ديفيد بترايوس كرئيس للمخابرات المركزية الأمريكية، ومن المتوقع قيام بترايوس بلعب دور استخباراتي هام فيما يتعلق بسورية، بما في ذلك الدعم السري لقوى المعارضة و”مقاتلي الحرية” عبر اختراق المخابرات السورية والقوى المسلحة إلخ. هذه المهام سيتم العمل عليها بالتعاون مع السفير فورد. كل من الرجلين عملا معا في العراق ضمن فريق جون نيغروبونتي.
شرارة الأزمة لم تنطلق نتيجة السياسات الداخلية غير المتوازنة، بل كانت نتيجة خطة مدروسة وضعها تحالف أمريكا والناتو لإشعال فتيل الفوضى الاجتماعية، ولنزع مصداقية حكومة الرئيس الأسد وبالتالي زعزعة استقرار سورية كأمة.
منذ منتصف آذار 2011، قامت المجموعات المسلحة الإسلامية المدعومة سرا من الاستخبارات الغربية والاسرائيلية بشن عدة هجمات إرهابية ضد المباني الحكومية إضافة إلى أعمال الحرق والتدمير.
كما هو مثبت بالوثائق، استهدف القناصة والمسلحين عناصر من القوات المسلحة والمدنيين العزل.
الهدف من هذه الهجمات المسلحة هو تحريض الشرطة والجيش على القيام برد فعل يشمل نشر الدبابات والمدرعات علنا كي يتم تبرير التدخل العسكري “الإنساني” عبر تكليف الناتو بمهمة “واجب الحماية”.
طبيعة النظام السياسي السوري:
من المؤكد وجود أسباب للاضطراب الاجتماعي في سورية، فنسبة البطالة ارتفعت في الأعوام الأخيرة، وتدهورت الأوضاع الاجتماعية بشكل خاص بعد تبني سياسة الاصلاح الاقتصادي عام 2006 التي كانت نتيجة لتبني توجهات صندوق النقد الدولي. وتضمنت تلك السياسة إجراءات صارمة كتجميد الأجور، تحرير النظام المالي، الإصلاح التجاري والخصخصة.
علاوة على ذلك، يوجد انقسام فعلي داخل الحكومة السورية والجيش، فالسياسة الشعبية لحزب البعث أصبحت بالية بقيام جزء من المؤسسة الحاكمة بتبني خيارات الليبرالية الجديدة. في المقابل تبني سياسة صندوق النقد الدولي أدت إلى زيادة غنى النخبة الثرية المسيطرة على الاقتصاد، بالإضافة إلى ظهور فئات مؤيدة لأمريكا ضمن الرتب العالية في مؤسستي الجيش والاستخبارات. لكن الحركة “المؤيدة للديمقراطية” المحتضنة من الاسلاميين والمدعومة من الناتو و”المجتمع الدولي” لم تنبثق من غالبية المجتمع المدني السوري.
يسيطر الاسلاميون بشكل كبير على الحركة الاحتجاجية، وهذه الحركة تمثل جزءا صغيرا من الشعب السوري، وهي ذات طبيعة طائفية وهي لا تقدم حلولا لمشاكل عدم المساواة الاجتماعية، الحقوق المدنية والبطالة.
غالبية المجتمع السوري (بما في ذلك المعارضين للرئيس الأسد) لا تدعم “الحركة الاحتجاجية” التي تتسم بالعمليات المسلحة، وفي الحقيقة تلك الغالبية تعارض تماما تلك الحركة.
المفارقة هنا أنه بالرغم من الطبيعة الشمولية للحكومة، تتمتع حكومة الرئيس الأسد بدعم ملموس من الشعب وقد تأكد ذلك بمسيرات التأييد الضخمة.
تعتبر سورية الدولة الوحيدة المستقلة والعلمانية المتبقية في العالم العربي، وقاعدتها الشعبية المعادية للامبريالية والعلمانية إنما هي نتيجة لمبادىء حزب البعث الذي لا يفرق بين الطواثف والأديان، وهي تدعم نضال الشعب الفلسطيني.
الهدف النهائي من تحالف أمريكا والناتو هو تمزيق وتدمير سورية كدولة مستقلة علمانية، والتخلص من النخب الاقتصادية الوطنية وصولا إلى استبدال نظام الرئيس الأسد بمشيخة عربية بصورة دولة إسلامية تكون موالية لأمريكا أو موالية “للديمقراطية الأمريكية”.
بطبيعة الحال تقوم وسائل الاعلام بالتعمية على دور التحالف العسكري الأمريكي – الاسرائيلي – الناتو في تحريك الهجمات المسلحة، بل وأكثر من ذلك، العديد من “الأصوات التقدمية” تقبلت مقولات الناتو عن “المظاهرات السلمية” التي تتعرض “للقمع الوحشي من قوى الأمن والجيش السوري”.
التمرد المدمج مع الإرهاب:
أكدت قناة الجزيرة ووسائل الاعلام اللبنانية والاسرائيلية قيام “المتظاهرين” بإحراق مقرات حزب البعث والقصر العدلي في درعا في منتصف آذار الماضي، لكنها تزعم بذات الوقت أن المظاهرات كانت “سلمية”.
لقد تمكن المتمردين المسلحين من اختراق الحركة الاحتجاجية الشعبية وجرى المزيد من عمليات الإحراق في حماة خلال شهر تموز، حيث تم إحراق المباني الحكومية والمحكمة والمصرف الزراعي.
التمرد موجه ضد الدولة والهدف النهائي من عدم الاستقرار السياسي هو تغيير النظام، وفرق الاغتيال التابعة للمسلحين قامت بأعمال إرهابية ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء.
يتعرض المدنيون المؤيدون للحكومة للتهديد والترهيب وهم هدف لعمليات الاغتيال التي تنفذها المجموعات المسلحة.
في الكرك قرب درعا قام السلفيون بإجبار السكان على المشاركة في مظاهرات معارضة للحكومة ونزع صور الرئيس الأسد من بيوتهم. حسب رواية شهود عيان، تم شنق شاب على شرفة منزله في اليوم التالي لرفضه إزالة الصورة من منزله.
الناس يريدون الخروج بشكل سلمي للمطالبة بتغيرات محددة، لكن الجماعات السلفية تتسلل بينهم لتحقيق أهدافها، وتلك الأهداف ليست السعي للتغيير من أجل سورية أفضل، بل من أجل تحقيق أجنداتها الخاصة.
تجنيد المجاهدين: الناتو وتركيا
التمرد في سورية يتسم بذات مواصفات التمرد في ليبيا: فهو تحتضنه مجموعات مسلحة لها علاقة بتنظيم القاعدة. التطورات الأخيرة تشير إلى وجود مجموعات متمردة مسلحة إسلامية مدعومة من الناتو والقيادة العليا التركية.
“يقوم المسؤولين في مقر عمليات الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية برسم خرائط الخطوة العسكرية الأولى في سورية، وهي تسليح المتمردين بأسلحة لمواجهة الدبابات والمروحيات السورية التي تعتبر رأس الحربة في القضاء على المنشقين. بدلا من تكرار النموذج الليبي من الضربات الجوية، يفكر المخططون الاستراتيجيون في الناتو في إرسال كميات ضخمة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، مدافع الهاون، والأسلحة الرشاشة الثقيلة إلى مراكز الاحتجاجات بهدف صد القوات السورية الحكومية”. (موقع DEBKAfile, NATO to give rebels anti-tank weapons, August 14, 2011)
ومخطط تدخل الناتو أصبح الآن على طاولة النقاش، وحسب مصادر عسكرية واستخباراتية، تقوم تركيا والمملكة السعودية والناتو بدراسة “شكل هذا التدخل”.
تحول في البنية العسكرية التركية:
في أواخر تموز، قام قائد الجيش ورئيس أركان الجيش التركي، الجنرال ايشيك كوشنار، بتقديم استقالته هو وقادة القوى البحرية والجوية. الجنرال كوشنار يمثل التيار العلماني في الجيش التركي، وتم تعيين الجنرال نجدت أوزال خلفا له في قيادة الجيش ورئاسة مجلس الأركان.
لهذه التطورات أهمية فائقة، فهي تشير إلى حصول تحول ضمن القيادة العسكرية التركية العليا لمصلحة الإخوان المسلمين ومنها دعم أكبر للتمرد المسلح في شمال سورية.
تؤكد مصادر عسكرية أن المتمردين السوريين ” يتدربون مع ضباط أتراك في معسكرات خاصة على استخدام الأسلحة الحديثة في معسكرات تركية على مقربة من الحدود السورية”، ويتم تسليم الأسلحة إلى المجموعات المتمردة برا، بشكل رئيسي في تركيا وتحت حماية الجيش التركي، مع بديل آخر هو نقل الأسلحة عبر الشاحنات إلى داخل سورية بحماية عسكرية تركية ونقلها إلى قادة المتمردين في نقاط التقاء يتم تحديدها مسبقا.
هذه التطورات تشير إلى احتمال تدخل عسكري تركي مباشر في النزاع، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين تركيا وسورية.
الحرب البرية بمشاركة جنود أتراك قد تعني إرسال الجنود إلى شمال سورية من أجل “اقتطاع جيوب عسكرية من سورية ليتم توفير الدعم العسكري واللوجستي والطبي للمتمردين السوريين”.
كما كان الحال في القضية الليبية، تقوم المملكة السعودية بتوفير الدعم المالي للمتمردين. “ستقوم أنقرة والرياض بتقديم الحركة المناهضة للأسد بكميات كبيرة من الأسلحة والتمويل ليتم تهريبها إلى سورية من الخارج.” كما تتم دراسة فكرة نشر قوات من مجلس التعاون الخليجي والسعودية في جنوب سورية بالتنسيق مع تركيا.
تجنيد آلاف التكفيريين :
تم في أنقرة وبروكسل أيضا مناقشة موضوع إطلاق حملة “للجهاد” لتجنيد آلاف المسلمين المتطوعين، وهذا يذكرنا بحملة تجنيد المجاهدين لخوض “الحرب المقدسة” ضد السوفييت في الحرب السوفييتية – الأفغانية بالوكالة عن المخابرات المركزية الأمريكية. كما تفيد مصادرنا بأن أنقرة وبروكسل درستا أيضا مسألة إطلاق حملة تجنيد آلاف المسلمين المتطوعين من بلدان الشرق الأوسط والعالم الاسلامي للمحاربة إلى جانب المتمردين السوريين، حيث سيقوم الجيش التركي بإنشاء معسكرات لهم وتدريبهم وتأمين دخولهم إلى الأراضي السورية.
عملية تجنيد المجاهدين لخوض حرب الناتو “الإنسانية” تجري على قدم وساق. تم نقل 1500 مجاهد أفغاني قامت السي آي إيه بتدريبهم ليقاتلوا إلى جانب ثوار ليبيا “المؤيدين للديمقراطية” تحت إمرة عبد الحكيم بلحاج، القائد السابق للجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة.
” تم تجنيد معظم العناصر من أفغانستان، وهم من الأوزبك، الفرس والهزاريين. وفق صور وثائقية ظهر هؤلاء المقاتلين وهم يقاتلون في المدن الليبية” ((The Nation, Pakistan
النموذج الليبي للمتمردين المدمجين ضمن سرايا إسلامية مع قوات خاصة من الناتو يتوقع تطبيقه في سورية، وخاصة بعد أن تم نشر مقاتلين إسلاميين مدعومين من الاستخبارات الغربية والاسرائيلية فيها.
إشعال نار الإنقسام الطائفي في المجتمع السوري:
سورية دولة علمانية يتشارك فيها المسلمون والمسيحيون تراثا تاريخيا منذ ظهور الدين المسيحي، ويتعايشون فيها منذ قرون.
يتم تقديم الدعم للمفاتلين الجهاديين، وهم بدورهم مسؤولون عن العنف الطائفي الذي يستهدف العلويين، المسيحيين والدروز، وتوجد تقارير تعود إلى أوائل أيار عن قيامهم بمهاجمة بيوت للمسيحيين في درعا.
في إحدى القرى المسيحية خارج درعا، وحسب شهود عيان، قام حوالي 20 مسلح على الدراجات بإطلاق النار على منزل لمسيحيين مع إطلاق شعارات شريرة ضد المسيحيين. ووفقا لمصدر آخر، تلقت عدد من الكنائس رسائل تهديد أثناء عيد الفصح تطلب منهم الانضمام للمظاهرات السلفية أو الرحيل.
في دوما التي تقع في ضواحي دمشق، رفع المتظاهرون شعار “العلوية للتابوت والمسيحية إلى بيروت”! حسب وكالة التيار الاخبارية. يشعر المسيحيون في سورية بالقلق إلى أجندة العديد من التيارات المتشددة ومنها التيار السلفي، التي تهدف إلى الإستيلاء على الحكم وطرد المسيحيين إلى الخارج. وقد صرح قائد مسيحي “في حال تمكن السلفيون من الحصول على نفوذ سياسي، سيجرصون على مسح أي أثر للمسيحية في سورية.”
أيدن كلاي: “نحن نرغب بتطوير الحياة والحقوق في سورية بقيادة الرئيس الحالي، لكننا لا نريد الإرهاب. المسيجيون هم أول من يدفع ثمن الإرهاب… مطلب المسيحيين هو أنه عندما يحدث التغيير، ألا يكون التغيير وفق أجندات معينة أو أجندات أشخاص معينين، بل أن يكون التغيير لصالح الشعب السوري بطريقة سلمية بقيادة الحكومة الحالية.”
“على عكس الوضع في مصر، حيث قام المسيحيون بدعم الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، يرغب مسيحيو سورية بالسلم وبنفس الوقت يطالبون بإصلاحات أكبر تحت لواء الحكومة الحالية. يتوقع المسيحيين أن تلبية مطالب السلفيين سيؤدي إلى الفوضى وسفك الدماء. نحن نطالب الحكومة الأمريكية أن تتصرف بحكمة وحذر عند وضع سياسات لها آثار سياسية عميقة على الأقليات في سورية عبر عدم توفير دعم غير مباشر لحصول السلفيين على موطىء قدم لاستغلاله في تطبيق أجندتهم المتطرفة.” (Syrian Christians Threatened by Salafi Protestors, Persecution News, International Christian Concern (ICC), May 4, 2011)
الهجمات على المسيحيين في سورية تعيد ذكريات عمليات القتل التي مارستها فرق الموت في العراق بحق المسحيين في العراق.

أضف تعليق