للتاريخ | هل تنجح خطة الهجوم المضاد لـ”الإخوان”؟

 هل تنجح خطة الهجوم المضاد لـ

المصدر | مما لا شك فيه أن حكومة الإخوان المتأسلمين في مصر بدأت تعيش هستريا فرفرة المذبوح، فقد تعاملت مع بدايات تحرك حركة «تمرد» بلا مبالاة، حتى إذا اشتدّ عودها، وأحسّت أن مستصغر الشرر قد تمخض عن ألسنة لهب نيران هائلة تهدد بإزالة التنظيم الإخواني من الوجود، بدأت تتحرك كالفأر المذعور هنا وهناك محاولة إيجاد مخرج يقيها شرّ هذه النيران القادمة لو لم تفلح في إزالة كافة أسباب اشتعالها وتمددها إليها. فمراهنة التنظيم الإخواني المبنية على قراءاته الخاطئة التي صوّرت له في بداية الأمر أن الموضوع لا يعدو كونه «لعب شوية عيال» يبحثون عن بطولة، وأن بإمكانه السيطرة عليه في الوقت المناسب وتوجيهه نحو صدور مناهضيه، فاجأه بانقلاب السحر عليه كساحر للمراوغات وصناعة وتنفيذ الدسائس، وأصبح الأمر واقعاً جديّاً يشكل خطراً حقيقياً لابد له من مواجهته.

أولى الخطوات الحازمة كانت محاولات التنظيم الإخواني المستميتة لإيقاف زحف النيران إلى باحة مكتب مرشده العام، ليقوم بافتعال أحداث كثيرة قصد بها تشتيت الرأي العام عن الموضوع، فقام بالإساءة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقبلها حاول إثارة جدل حول مشروع سد النهضة، علّه يشغل الشارع عن التفاعل مع توقيعات هذه الوثيقة، وحاول أيضاً تخويف المؤيدين للوثيقة من السياسيين والمثقفين والإعلاميين والأفراد، وحاول إشغال الشعب بالعروض البهلوانية المختلفة التي يقوم بأدائها منتسبه مرسي هنا وهناك في لقاءاته. غير أن كل محاولات التنظيم الإخواني المتأسلم لم تملك القدرة على الوقوف في وجه هذه الوثيقة التي حملت فكرة بسيطة، كتبت لها الأقدار أن تتسبب في إحداث أهم حدث في تاريخ مصر والمنطقة، لأن نجاح هذا الحدث يعني النهاية الحتمية للتنظيم، وطيّ أرض الكنانة لحقبة مظلمة أعادتها آلاف بل وملايين السنوات للوراء.

ويستعد الشارع المصري بكل فئاته الموقعة على الوثيقة، والذي قرر الخروج اليوم الأحد 30 يونيو إلى ميدان التحرير، وعدم مغادرته إلا بعد أن يغادر الرئيس الإخواني كرسي الرئاسة، وهي خطوة جبّارة بدأت بفكرة بسيطة كانت في ذات يوم مادة لأحد أفلام الدراما المصرية التي حوّلتها الأقدار في مصر إلى دراما فعلية لا تمثيل، فقد قرر أحد الشباب محاربة التنظيم الإخواني المرفوض من معظم قطاعات الشعب واجتثاثه بواسطة جمع توقيعات من الذين لا يريدون لمرسي الاستمرار في حكم مصر، وهي خطوة غير مسبوقة في المنطقة، وقد لاقت رواجاً كبيراً، ووصل عدد الموقعين إلى سبعة عشر مليون مواطن ومواطنة، وهو عدد ليس باليسير لو تكاملت معه الجماهير المؤيدة لبقية القوى السياسية التي سارعت لتبنّي الوثيقة كأول خطة تقودها نحو النجاح والاتحاد على حماية ورفعة مصر، وتحرّك الجيش المصري ليتحمل مسؤولياته، فوضع يده على المنشآت العامة بغرض حمايتها كما جاء في بيانه التوضيحي، رغم أن بعض المحللين اعتبروه انقلاباً طوعياً أبيض، أو على الأقل بدايةً لاستيلاء الجيش على كامل السلطة، وهو ما نفاه الجيش جملة وتفصيلًا، وقال إن حماية الممتلكات القومية والعامة هو الهدف، وأنه لا ينوي الدخول في معترك السياسة، ولا يريد تلويث سمعته التي استردها بعد جهد طويل من خلال مواقفه المشرّفة التي حسمت صراع فترة الثورة.

وبخطأ غير مقصود وقاتل، فضحت الصدفة المحضة مخططات «الإخوان» لإجهاض تنفيذ ما أقرته الوثيقة للثلاثين من يونيو، وكان ذلك حينما أرسل عمرو عبد الهادي، المتحدث باسم «جبهة الضمير»، أحد قادة «الإخوان»، عن طريق الخطأ وثيقة كان ينوي إرسالها لجماعته في التنظيم، فأخطأ عنوان البريد الإلكتروني لتصل الرسالة بالخطأ إلى الصحفية المصرية المعروفة مروة عصام الدين التي كشفت عن رسالته لأعضاء جبهته التي تعتبر من أهم الجبهات الإخوانية المتعددة التي يتم استخدامها في الجوانب التي تحتاج الشراسة والعنف والتطبيق الأعمى لأوامر التنظيم. وقد أوردت الصحفية كامل الرسالة التي أوضحت مدى ذعر قادة التنظيم واستعدادهم لاستخدام أقصى درجات العنف في ما اعتبروه حرب بقاء. وقد بدأت الحملة بأحداث «دمنهور» الشهيرة دون جدوى، لكن القيادي الإخواني كان يرى ضرورة التصدي الحازم بعدد من النقاط التي أراد لها نفي تردد التنظيم وعجزه عن اتخاذ خطوات تصعيدية جادة، وتتبع ذلك اتصالات عليا على مستوى الرئاسة بالمدعو حازم صلاح أبو إسماعيل، وقيادة الجماعة الإسلامية للقيام بتحريك مجموعات تابعة لهم، كحركة أحرار والجماعة الإسلامية لتنفيذ هجمات على عدد من مقرات جمع استمارات تمرد، ويقتصر ذلك على محافظات الصعيد ذات النفوذ الإخواني، على أن ينفّذ أنصار أبو إسماعيل هجمات خاطفة على مقرات الأحزاب المنضوية في «جبهة الإنقاذ» كنوع من ترهيب الأفراد وتخويفهم من النزول إلى الشارع، بينما الفضائيات الخاصة التابعة لرجال الأعمال والتي تناصر «تمرد»، تتم ملاحقتها بسلسلة بلاغات ضد أصحابها ومقدمي البرامج فيها إلى النائب العام وتنبيهه بضرورة حبس أحد أصحاب القنوات احتياطياً، مع اختلاق أي تهمة كالتهرب من الضرائب أو غسيل الأموال وهو ما سيخيف الآخرين.

وفي مخطط الترهيب الإعلامي كشفت الوثيقة عن تخطيط التنظيم الإخواني لقيام عرابه، خيرت الشاطر، بالاتصال برجل الأعمال السعودي صاحب قنوات أوربيت، وتهديده بورقة المصالح التجارية السعودية في مصر وإمكانية تعرّضها للخطر لو لم يتم لجم عمرو أديب بتخفيف لهجته والتوقف عن دعم «تمرد» بشكل علني، وهو إجراء أراد التنظيم الإخواني تعضيده بتوجيه القنوات المتحالفة معه للقيام بخطوات فضح القائمين على حركة «تمرد»، ومحاولة ربطهم بتلقيهم معونات أجنبية خاصة من أميركا، وتنفيذهم مخططات صهيونية لإسقاط النظام الحاكم في مصر، والذي يريد تأكيد صورة ذهنية بأنه مستهدف بسبب خوف المستهدفين من أن يسبب رعباً لإسرائيل!

وأياً كانت مخططات التحركات، فها هو يوم الثلاثين من يونيو، وتبقى للتاريخ كلمته الفاصلة.

أضف تعليق